English 
Arabic

نساء الكتاب المقدس

 

   
استير
استير

استير في الكتاب المقدس

التفسير التطبيقي

نحن جميعا نرغب بالأمان ونسعى وراءه باعتباره من أهم الحاجات الأساسية التي تمنحنا الاستقرارفي حياتنا  رغم علمنا بان الامان لاضمان له، فالممتلكات قد تهلك، والجمال يذبل، والعلاقات تنفصم، والموت امر محتم، لذلك فان الامان الحقيقي لايوجد إلا بعد هذه الحياة. ولا نستطيع مواجهة التحديات التي تضعها الحياة في طريقنا إلا متى استقر أماننا على شخص الله وحده وطبيعته غير المتغيرة.

وقصة “أستير” تكشف لنا هذه الحقيقة  بكل وضوح، فنرى الله عاملا في حياة الأفراد كما في شؤون الأمة حتى عندما يبدو أن العالم في أيدي الناس الأشرار، فقد كسبت أستير بجمالها وأخلاقها قلب الملك فجعلها ملكته، ولكن حتى وهي في مركزها المرموق بأعتبارها ملكة إلا أنها لم تكن في أمان، فنجدها تخاطر بحياتها من أجل شعبها، ولولا ان الله هو الذي كان يمسك بزمام الأمور كما يمسك بها الآن، ولولا عمله من وراء الأحداث وحمايته للناس الذين له، لما سارت قصة أستير وشعبها بالطريقة التي سارت عليه.

وردت قصتها في السفر المسمى باسمها “استير”، ورغم أن السفر يبدو غريباً نوعا ما حيث انه لايذكر إسم “الله” أو لقباً أو ضميراً يعود عليه، ولكن وجوده جلياً وواضحاً في كل احداثه. وتبدأ القصة في عام (483 ق . م ) بعد مرور مائة وثلاث سنوات على سبي  نبوخذ نصر لليهود (2مل 25) حيث عاشت في مملكة فارس التي استولت على بابل في عام (539 ق. م)، ولابد أن والدي استير كانا من بين المسبيين الذين لم يرغبوا في العودة إلى أورشليم رغم أن الملك كورش كان قد أصدر مرسوماً يسمح لهم بذلك. حالهم حال العديد من اليهود الذين بقوا في فارس إما لأنهم كانوا قد اسسوا اعمالاً ناجحة، أو لأنهم خافوا من مخاطر رحلة العودة الى الوطن.. أما بدايتها فجاءت بعد رفض الملكة “وشتي” إطاعة أمر زوجها الملك الفارسي “أحشويروش” الذي إمتد حكمه من الهند الى كوش “وفي اليوم السابع عندما دارت الخمر برأس الملك، أمر خصيانه السبعة  الذين كانوا يخدمون في حضرته، أن يأتوا بالملكة وشتي لتمثل في حضرته، وعلى رأسها تاج الملك، ليرى الحاضرون من الشعب والعظماء جمالها، لأنها كانت رائعة الفتنة. فأبت الملكة أن تطيع أمر الملك الذي نقله إليها الخصيان. فاستشاط الملك غيظا واشتعل غضبه في داخله” (12,10:1). فطُرِدَت الملكة وشتي بناءاً على مشورة مستشاري الملك ” فإذا راق للملك فليصدر أمرا ملكيا، يسجل ضمن مراسيم مادي وفارس التي لا تتغير، يحظر فيه على وشتي المثول في حضرة الملك أحشويروش. ولينعم الملك بملكها على من هي خير منها” (19:1).. فيبدأ البحث عن ملكة جديدة. ويُصدر الملك مرسوماً بجمع كل الفتيات الجميلات في الامبراطورية، والإتيان بهم الى حريم الملك ” وبعد ذلك خمدت جذوة غضب الملك أحشويروش، فذكر وشتي وما فعلته، والقرار الذي صدر ضدها. فقال له رجاله القائمون على خدمته: ليجر بحث عن فتيات عذارى بارعات الجمال من أجل الملك، وليعهد الملك إلى وكلائه في كل أرجاء مملكته حتى يجمعوا كل الفتيات العذارى الفاتنات إلى جناح الحريم في شوشن القصر، ليكن تحت إشراف هيجاي خصي الملك وحارس النساء، حيث تقدم إليهن الدهون المعطرة. والفتاة التي تروق للملك تصبح ملكة محل وشتي. فاستحسن الملك هذا الكلام وعمل به” (4,1:2).

وكانت أستير، الفتاة اليهودية اليتيمة، إحدى المختارات للدخول الى حريم الملك، أما سيرتها وكيفية أختيارها فقد وردت كالآتي “وكان يقيم في شوشن القصر رجل يهودي يدعى مردخاي بن يائير بن شمعي بن قيس، من سبط بنيامين، قد سُبِيَ من أورشليم مع جملة المسبيين الذين أسرهم نبوخذنصر ملك بابل، مع يكنيا ملك يهوذا. هذا أشرف على تربية ابنة عمه أستير المدعوة هدسة، لأنها كانت يتيمة الأبوين. وكانت الفتاة رائعة الجمال، جميلة الطلعة تبناها مردخاي عند وفاة والديها. فلما بلغه أمر الملك وحكمه، وشرعوا في جمع فتيات كثيرات إلى شوشن القصر حيث عهد بهن إلى هيجاي، أُخِذَت أستير إلى قصر الملك إلى هيجاي حارس الحريم، فحظيت الفتاة بإعجاب هيجاي ونالت رضاه، فأسرع يقدم إليها نصيبها من العطور والأطعمة، وخصص لخدمتها سبع فتيات من قصر الملك، ونقلها مع وصيفاتها إلى أفضل مكان في جناح النساء” (9,5:2)..  وقد سُرَّ الملك كثيرا بها فجعلها ملكته “ولما جاء دور أستير ابنة أبيحائل عم مردخاي الذي تبناها للمثول في حضرة الملك، لم تطلب شيئا إلا ما أشار به عليها هيجاي خصي الملك وحارس الحريم. وكانت أستير تحظى بإعجاب كل من رآها. وأخذت أستير إلى الملك أحشويروش في قصره في شهر طيبيت (أي كانون الثاني ; يناير)، في السنة السابعة لحكمه، فأحب الملك أستير أكثر من سائر النساء، وحظيت برضاه وبإعجابه أكثر من بقية العذارى، حتى إنه وضع تاج الملك على رأسها، وملّكها بدلا من وشتي”  (17,15:2).

وفي هذه الأثناء، كان مردخاي، عم أستير، قد اصبح أحد رجال الدولة، وفي اثناء خدمته، إكتشف مؤامرة لاغتيال الملك. وكان هامان الأناني الطموح قد تعيّن ريئسا للوزراء، ثاني شخصية في الأمبراطورية. وعندما رفض مردخاي أن ينحني احتراماً له، استشاط هامان غضباً وصمم على القضاء على مردخاي وكل اليهود معه. ولتنفيذ انتقامه، خدع هامان الملك وحرّضه على إصدار مرسوم بالقضاء على اليهود “وفي اليوم الثالث عشر من الشهر الأول إستُدعِيَ كتّاب الملك وأُملِيَت عليهم أوامر هامان إلى ولاة الملك وإلى حكام كل إقليم بإقليمه، وإلى رؤساء كل شعب بشعبه، حسب لغة كل إقليم ولهجة أهلها، ووقع تلك الرسائل باسم الملك أحشويروش وختمها بخاتمه. وحمل السعاة الرسائل إلى جميع أقاليم المملكة، وفيها أمر بإبادة وقتل وإهلاك جميع اليهود، شبابا وشيوخا وأطفالا ونساء في يوم واحد، هو الثالث عشر من الشهر الثاني عشر، أي شهر أذار، والاستيلاء على غنائمهم” (13,12:3)..

فيقوم مردخاي بابلاع استير بهذا المرسوم، لتقرر بدورها بكل اخلاص وشجاعة المجازفة بحياتها لخدمة شعبها بالتقدم الى المللك دون أن يكون لها أي ضمان لرؤيته حيث كانت مقابلته بضوابط وشرائع معينة “فأرسلت أستير الى هامان قائلة: إن كل حاشية الملك وشعوب أقاليم الملك يعلمون أن كل رجل أو امرأة يدخل إلى الملك في مخدعه الداخلي، من غير دعوة، فجزاؤه حتما الموت، إلا الذي يمد له الملك قضيب الذهب فإنه يحيا. وأنا لم أُدعَ للمثول بين يدي الملك هذه الثلاثين يوما” (12,10:4).. فكان رد مردخاي ” لايخطرن ببالك أنك ستنجين من العاقبة من دون سائر اليهود، لأنك في قصر الملك. لأنك إن لزمت الصمت في مثل هذا الوقت، فإن الفرج والنجاة لابد أن يأتيا لليهود من مصدر آخر، وأما أنت وبيت أبيك فتفنون. ومن يدري، فلربما قد وصلت إلى عرش الملك لوقت مثل هذا!” (14,13:4)

وهكذا تبدأ أستير برسم خططها بكل عناية، وتطلب من اليهود أن يصوموا ويصلّوا معها قبل دخولها الى الملك “عندئذ طلبت من مبلغيها أن يحملوا جوابها إلى مردخاي: امض اجمع كل اليهود المقيمين في شوشن، وصوموا من أجلي ولا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيام ليلا ونهارا، وسأصوم أنا ووصيفاتي أيضا مثلكم. ثم أدخل إلى الملك مُخالِفةً العرف المتبع، فإذا هلكت، هلكت ” (15,16:4). فتدخل أستير الى الملك وتطلب منه ومن هامان أن يكونا ضيفيها في الوليمة التي ستعدها لهما. وفي اثناء الوليمة، يسأل الملك استير عما تطلبه حقيقة، ويعد بأنه سيمنحها أي شيْ تطلبه. وتكتفي أستير بأن تدعوهما الى وليمة أخرى في اليوم التالي “وفي اليوم الثالث ارتدت أستير ثيابا ملكية، ووقفت في القاعة الداخلية أمام البهو الملكي، الذي يجلس فيه الملك على عرشه. فعندما شاهد الملك أستير واقفة في القاعة، سره مرآها، ومد لها صولجان الذهب، فاقتربت منه ولمست رأس الصولجان، فسألها: ما لك أيتها الملكة أستير، وما هي طلبتك فأهبك إياها، حتى ولو كانت نصف المملكة؟ فأجابت أستير: إن طاب للملك فليأت اليوم، وفي صحبته هامان، إلى المأدبة التي أقمتها له. فقال الملك: هيا أسرعوا بهامان كي يلبي دعوة أستير. وهكذا جاء الملك وهامان إلى المأدبة التي أقامتها أستير. وفيما كانوا يشربون الخمر قال الملك لأستير: ما هي رغبتك، وما هي طلبتك فألبيها، حتى ولو كانت نصف المملكة؟ فأجابت أستير: إن رغبتي وطلبتي هي: إن كنتُ قد حظيت برضى الملك، وإن طاب للملك أن يقضي لي طلبتي، فليأت غدا وفي صحبته هامان إلى المأدبة التي أقيمها لهما، ومن ثم أرفع له طلبتي بموجب أمره” (8,1:5).

وفي هذه الأثناء، ولما لم يستطع الملك النوم في تلك الليلة، ورغم انه كان بامكانه أن يدفع عنه الأرق من خلال النساء أو الطعام أو الموسيقى، ولكنه صمم على القراءة، وحتى في القراءة كان أمامه خيارات كثيرة ليختار منها، ولكنه إختار أن يقلّب في بعض السجلات الموجودة  في خزانة الكتب الملكية، ليؤكد لنا من خلال هذا الأمر بان كل ذلك لم يكن من قبيل الصدفة، ولكن وكما اشرنا سابقاً لأن الله هو الذي كان يعمل من وراء الأحداث، فقرأ فيها عن مؤامرة إغتياله، واكتشف ما عمله مردخاي من خير له  باحباط تلك المحاولة وإنقاذ حياته. واندهش الملك عندما علم أن مردخاي لم يُكافأ على عمله هذا. وسأل هامان عما يجب أن يُفعَل لشكر بطل، وهنا يظن هامان أن الملك يقصده هو بهذا الكلام، ولذلك ينطلق في وصف المكافأة المجزية. ويوافق الملك. ولكن يا لدهشة هامان الكبيرة، والذل والهوان الذي أحس بهما وهو يعلم أن مردخاي هو الشخص المقصود بالإكرام وليس هو (14,1:6).     

وفي اثناء الوليمة الثانية، يسأل الملك استير مرة أخرى عما تريده، فتجيبه إن شخصا ما قد تآمر للقضاء عليها وعلى شعبها، وتذكر اسم هامان على أنه المجرم “وحضر الملك وهامان مأدبة أستير الملكة. وبينما كانا يشربان الخمر سأل الملك أستير: ما هي طلبتك ياأستير الملكة فتوهب لك؟ ما هو سؤلك ولو إلى نصف المملكة؟ فأجابت الملكة: إن كنت قد حظيت برضاك أيها الملك وإن طاب للملك فإن طلبتي أن تحفظ حياتي، وسؤلي أن تنقذ شعبي، لأنه قد تم بيعي أنا وشعبي للهلاك والقتل والإبادة. ولو أنهم باعونا عبيدا وإماء لكنت سكت، لأن هذا الأمر لا يبرر إزعاج الملك. فقال الملك أحشويروش للملكة أستير: من هو هذا الذي يجرؤ أن يرتكب مثل هذا؟ أين هو؟ فأجابت: إن هذا الخصم والعدو هو هامان الشرير” (7,1:7).وفي الحال يصدر امر الملك بصلب هامان على الخشبة التي كان قد أعدها لمردخاي، وهكذا يتقرر مصيره، وتتحق العدالة الصارمة بحقه (10,9:7).

وفي نهاية هذه الدراما الواقعية الحقيقية، يتم تعيين مردخاي ابن عم أستير رئيساً للوزراء، ويتم إبطال كل المؤامرات والتدبيرات التي خُطِطَت ضد شعبهما لتُبسَط الحماية عليه في كل البلاد. . هكذا كانت  شجاعة الملكة استير، سبباً في نجاة أمة كاملة، فإذ رأت الفرصة المتاحة لها من الله، إنتهزتها، فتغيرت حياتها وحياة شعبها تماماً، لتثبت بمجازفتها والمخاطرة بحياتها، أن الله هو المصدر الوحيد لأمنها.

فكم هو ياترى مقدار الأمن الذي تضعه في ممتلكاتك، أو مركزك، أو شهرتك؟ فالله لم يضعك في مكانك لمنفعتك الشخصية، بل وضعك هناك لتخدمه، وقد يتضمن هذا كما في حالة استير، المخاطرة بأمنك. فهل أنت مستعد أن تجعل الله حصن أمنك النهائي؟

نقاط القوة والانجازات:

– لقد كسب جمالها وأخلاقها قلب ملك فارس.

– جمعت بين الشجاعة والتخطيط الدقيق.

– كانت منفتحة لتقبل النصيحة، وعلى استعداد للعمل.

– كانت أكثر اهتماما بالآخرين من اهتمامها بأمنها الشخصي.

دروس من حياتها:

– إن خدمة الله كثيرا ما تقتضي المجازفة بأمننا: رغم ان العادة عند اليهود كانت أن يتوقعوا من المرأة الهدوء، وأن تخدم في المنزل، وأن تظل على هامش الحياة الدينية والسياسية، ولكن استير كانت إمرأة يهودية اخترقت كل المعايير الثقافية وتعدّت دورها المعهود. فقد عرفت ما عليها أن تفعله، وانه قد يكلفها حياتها، ومع ذلك أجابت “إذا هلكت، هلكت” ونحن مطالبين بان يكون لنا نفس هذا العزم لعمل ماهو حق رغم كل النتائج المحتملة. فالأيمان هو عمل ما يريده الله، والاتكال عليه لتحقيق النتائج، وليس تطبيق شعار العالم الذي يعكس نظرته الانانية للحياة ألا وهو “إنجُ بنفسك”.. ومع إننا قد لانفهم  أحياناً كل ما يدور حولنا، إلا اننا يجب أن نثق في حماية الله ونتمسك باستقامتنا في عمل ما نعلم انه الحق، فهو قادر على أن يخلصنا من شر هذا العالم وينقذنا من الخطية والموت. فاستير التي خاطرت بحياتها بظهورها أمام الملك اصبحت بطلة، ومردخاي الذي كان على رأس قائمة القتلى أصبح رئيس وزراء الدولة. فمهما كانت ظروفنا ميئوساً منها أو مهما كنا على وشك الاستسلام، علينا أن لانيأس فالله هو المهيمن على عالمنا.

– إن لله غرضاً من المواقع التي يضعنا فيها: لقد وضع الله استير على العرش قبل أن يواجه شعبها إحتمال إبادته إبادة تامة، حتى إذا ما جاء الخطر، يكون ثمة شخص يستطيع أن يقدم المساعدة. وبعد أن أُذيع مرسوم إبادة اليهود، كان يمكن أن يتطرق الياس الى كل من استير ومردخاي، فيقررا محاولة إنقاذ نفسيهما فحسب، أو أن ينتظرا تدخل الله، ولكنهما عوضاً عن ذلك، ادركا بأن الله وضعهما في مركزهما لغرض. فانتهزا الفرصة وعملا.. فمهما كان موقعك في الحياة، يستطيع الله أن يستخدمك، فكن منفتحا ومستعدا ومتأهبا، لأن الله قد يستخدمك للقيام بما يخشى الاخرون مجرد التفكير فيه. وكل ما عليك فعله لو كنت في موقعا تستطيع فيه المساعدة، أن تطلب من الله الارشاد وتتصرف، فلعل الله قد وضعك في مكانك لوقت مثل هذا.

–  إن الشجاعة مع أهميتها في أحيان كثيرة، لاتحل محل التخطيط الدقيق: رغم شجاعة أستير واستعدادها للمغامرة بحياتها من أجل شعبها، الا انها لم تفعل ذلك بدون القيام برسم خططها بكل عناية، وبالنسبة لنا فالحياة في عالم غير مؤمن، يستلزم حكمة كبيرة. وفي محيط غالبيته تقاوم الايمان المسيحي يمكننا ان نبدي تلك الحكمة باحترام ماهو حق وصالح، وبالوقوف بتواضع ضد ما هو خطأ، وان ما فعلته استير يمكن ان يكون مثالا لنا لنحتذي به، فعلينا أن:

1-  نحسب الثمن: فقد كانت أستير على يقين من أن حياتها في خطر.

2-  نضع الأولويات: فقد آمنت بأن سلامة شعبها أهم من حياتها هي.

3- نستعد: فقد جمعت حولها مؤيدين ليصومو ويصلّوا معها، لتكشف لنا عن حياتها الداخلية، فقد عاشت كملكة عظيمة صاحبة مجد وكرامة أما قلبها فكان بسيطًا للغاية لم يدخله شيء من كرامة هذا العالم وملذاته، ولم يفرحها أحد سوى إله إبراهيم.. وهذا يؤكد لنا من جهة، ضرورة تضافر واتحاد جميع المؤمنين اينما كانو وبكل اطياقهم ومواقعهم، للصوم والصلاة ليتشاركوا ويعضدو بعضهم البعض في الاوقات العصيبة. ومن جهة اخرى، أهمية ادراك الاشخاص الذين وضعهم الله في مركز السلطة او النفوذ السياسي، لواجباتهم نحو الله اولا  ونحو من هم بحاجة اليهم، والتضحية لو لزم الأمر حتى بامنهم وحياتهم لإزالة المعاثر ورفع الظلم عن كاهل المظلوم. 

– نحدد مسار عملنا ونتقدم بشجاعة: فلم تفكر استير في الامر أطول من اللازم، ولم تترك مجالاً لتدخل يقلل من التزامها بما يجب عليها عمله، مؤمنة بان الله هو الذي يتكلم على فمها ويعمل من خلالها.   

بيانات أساسية:

– المكان: الإمبراطورية الفارسية.

– المهنة: زوجة أحشويروش وملكة فارس.

– الآقرباء: ابن عمها: مردخاي، زوجها:احشويروش، أبوها: أبيحائل.

الآية الرئيسية:

“امض اجمع كل اليهود المقيمين في شوشن، وصوموا من أجلي ولا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيام ليلا ونهارا، وسأصوم أنا ووصيفاتي أيضا مثلكم. ثم أدخل إلى الملك مخالفة العرف المتبع، فإذا هلكت، هلكت” (أس16:4).

ونجد قصة أستير في سفر أستير.

 

 

 

 

 

وكانت استير تنال نعمة في عيني كل من رآها

فاحب الملك استير اكثر من جميع النساء ووجدت نعمة واحسانا قدامه اكثر من جميع العذارى فوضع تاج الملك على راسها وملّكها …(استير 2: 17)

     
   
مريم اخت لعازر
مريم اخت لعازر

مريم اخت لعازر

النفسير التطبيقي

الضيافة فن، فالتأكد من الترحيب بالضيف وإكرامه وتقديم الطعام له، يستلزم قدرة على الابتكار والتنظيم. فاستطاعة مريم ومرثا القيام بكل ذلك تضعهما على قمة من أحسنوا القيام بالضيافة في الكتاب المقدس. وكان ضيفهما في أغلب الاحيان هو الرب يسوع المسيح، فقد كانتا ملتصقتين به تخدمانه حين كان حاضرًا بالجسد، وقد شكلتا مع شقيقهما لعازر الذي اقامه الرب يسوع من بين الاموات، افرادا للاسرة التي كان الرب يحبها ويمكث معها كثيرا. 

كانت الضيافة تعني، عند مريم، الانتباه للضيف نفسه أكثر مما لاحتياجاته. فقدعُرفت بجلساتها الهادئة عند قدميّ المخلّص تسمع له وتتحدّث معه، فكانت تفضل الحديث عن الانشغال بالطبخ، وتهتم بكلمات ضيفها  أكثر من العناية بنظافة بيتها، أو مراعاة موعد الوجبات، فقد تركت لأختها الكبرى “مرثا” والتي غالبا ما كانت  ترتبك بخدمات كثيرة، القيام بتلك التفاصيل. فَتَصَرُف مريم في ذلك المقام، يثبت انها كانت “مستمعة جيدة”. لقد قامت بالقليل من الاستعدادات إذ كان دورها هو المشاركة، لقد عرَفت كيف تبيع كل شيء لتقتني اللؤلؤة الكثيرة الثمن. ومع ذلك، وعلى النقيض من اختها التي كان عليها أن تتعلّم كيف تقف  وتصغي، كانت مريم في حاجة إلى أن تتعلم أن العمل كثيراً ما يكون ملائما وضرورياً. لان على المؤمن المسيحي ان يحمل في قلبه فكر مرثا ملتحمًا بفكر مريم، فلا جهاد حق خارج حياة التأمُّل، ولا حياة تأمُّل صادقة بلا عمل! حقًا لكل عضو موهبته، فمن الأعضاء من يحمل طاقة عمل قويَّة قادرة على الحركة في الرب على الدوام. ومنهم من يحب الهدوء والسكون ليحيا في عبادة وتأمُّل. ولكن يلزم على الأول وسط جهاده أن يتمتَّع بنصيب من الحياة التأمُّليَّة اليوميَّة حتى لا ينحرف في جهاده، ويليق بالثاني أن يُمارس محبَّته عمليًا بالجهاد، إن لم يكن في خدمة منظورة، فبالصلاة على لسان الكنيسة كلها بل ومن أجل العالم كله.      

أول تَعَرُفَنا بمريم عندما زارها الرب يسوع في بيتها، فجلست ببساطة عند قدميه تصغي لكلامه “وبينما هم في الطريق، دخل يسوع احدى القرى، فاستقبلته إمرأة اسمها مرثا في بيتها، وكان لها اخت اسمها مريم، جلست عند قدمي يسوع تسمع كلمته” (لو39,38:10). وعندما ثارت مرثا لتقاعس اختها في مساعدتها بقولها: “يارب أما تبالي بان أختي قد تركتني أخدم وحدي؟ فقل لها ان تساعدني” (لو40:10) أعلن لها الرب يسوع أن اختيار مريم الاستماع اليه، كان أكثر التصرفات ملاءمة في ذلك الوقت، قائلا لها: “أنت مهتمة وقلقة لأمور كثيرة. ولكن الحاجة هي الى واحد، ومريم قد أختارت النصيب الصالح الذي لن يُؤخذ منها” (لو42,41:10). بعدها وفي حادثة موت اخوها لعازر، وعند سماعها بمجيء الرب يسوع، نراها مرة اخرى مرتمية عند قدميه وباكية “فلما سمعت مريم هبّت واقفة وأسرعت الى يسوع. وما أن وصلت الى حيث كان يسوع ورأته، حتى أرتمت على قدميه تقول: ياسيد لو كنت هنا، لما مات أخي” (يو 29,30:11).

وآخر مرة نرى فيها مريم نكتشف أنها قد أصبحت امرأة ناضجة الفكر وصادقة العبادة، فبينما كانت الأحداث تتكاتف معًا لتحقيق الفِصح بالصليب، الأمر الذي من أجله تجسّد ابن الله. نراها مرة ثالثة عند قدمي يسوع تغسلهما بالطيب وتجففهما بشعر رأسها. ففي بيت عنيا “بلدة لعازر” تقدّمت  لتسكب قارورة طيب كثير الثمن وهو متكئ “كنبوّة عن تكفينه” (مت13,1:26;  مر9,1:14 ;  يو8,1:12 ) وكأن ما فعلته  يمثّل عمل محبّة تقدّمه الكنيسة كلها لهذا الجسد الطاهر، الذي قَبِلَ الموت بإرادته من أجل خلاصها، مُظهِرَة بذلك بأنها أكثر فهما، حتى من التلاميذ، لحقيقة موت المسيح. فمن خلال لقائها المستمر مع السيِّد تعرَّفت على سرّ الصليب وأدركت موته وتكفينه، لا كأحداث تاريخيَّة تترقبْها في تخوُّف واضطراب، وإنما كأعمال إلهيّة فائقة. لهذا كانت تبذل كل الجهد أن تدَّخِر كل ما يمكن ادِّخاره لتقدِّم قارورة الطيب الكثيرة الثمن في الوقت المناسب وفي المكان المناسب. فقد كان توقيت اللقاء دقيقًا للغاية، حيث جاء بعد إقامة لعازر شقيقها من الأموات كتقدّمة شكر. فرحت بإقامة أخيها من القبر، فجاءت بإرادتها لكي تُدفن هي مع عريسها في القبر المقدَّس وتقوم به وفيه. في آخر يوم يأتي فيه السيِّد إلى بيت عنيا، إذ كان ذلك يوم الأربعاء بعد تشاور القادة اليهود لقتله، ولم يبق سوى خميس العهد حيث يُقبض عليه لمحاكمته وصلبه، فلو تأخَّرت يومًا واحدًا لَمَا نالت هذه الكرامة العظيمة، و لَمَا استحقَّت أن تتنبَّأ عن تكفينه. فرغم انتقاد الناس لها تمتعت بمديح الرب نفسه الذي أعلن ارتباط قصتها بالكرازة بإنجيله في العالم كله كمثال للخدمة المكلفة!  “والحق اقول لكم: إنه حيث يُبَشَر بالانجيل في العالم أجمع، يُحَدَّث أيضا بما عملته هذه المرأة، إحياءً لذكرها!” (مت13:26 ; مر9:14).. إنه بالروح الإلهي أدركت في أعماقها الوقت اللائق للالتقاء به بهذه الصورة الفريدة.   

فما نوع الضيافة التي يلقاها الرب يسوع في حياتك؟ هل كل همك أن تخطط وأن تسعى في حياتك، حتى انك تهمل قضاء أوقات ثمينة معه؟ أم أنك تستجيب له بالاصغاء إلى كلمته، وهكذا تجد سبلا لعبادته في حياتك؟ هذا هو نوع الضيافة التي يتوق اليها كل واحد منا.

 

منجزاتها ونواحي القوة في شخصيتها:

 -لعلها الشخص الوحيد الذي فهم وتقبل موت الرب يسوع الوشيك، وانتهزت الفرصة لتدهن جسده وهو ما   زال حياً.

 -كانت تعرف متى تصغي ومتى تعمل.

 

دروس من حياتها:

 -قد يكون الانهماك في خدمة الله عائقا في طريق معرفته شخصيا: لقد أحبت مريم ومرثا الرب يسوع. وفي هذه المناسبة كانتا، كلتاهما تخدمانه. إلا أن مرثا لمّحت إلى أن أسلوب مريم في الخدمة أدنى من أسلوبها هي. ولكن الرب أعلن لها، أن اختيار مريم الاستماع اليه، كان الافضل، لانها أختارت النصيب الصالح الذي لن يُنَزَع عنها. ففي وقت أو آخر ثِقَل الواجبات الضروريَّة يُنزع عنك، أما عذوبة الحق فأبديَّة. صالح هو ما فعلته مرثا بخدمتها للقدِّيسين، لكن الأفضل هو ما فعلته أختها مريم بجلوسها عند قدَّميْ الرب واستماعها كلمته إذ كانت مرثا تدبِّر الطعام وتعدُّه لتُطعم الرب، كانت منهمكة في الخدمة جدًا، أما مريم أختها فاختارت بالحري أن يطعمها الرب. إنها بطريقة ما تركت أختها المرتبكة بأعمال الخدمة وجلست هي عند قدميْ الرب تسمع كلماته بثبات. لقد سمعت أذنها الأمينة: “كفُّوا واعلموا إني أنا الله” (مز 46: 10). مرثا ارتبكت أما مريم فكانت متمتِّعة (محتفلة)؛ واحدة كانت تدبِّر أمور كثيرة، والأخرى ركَّزت عينيها على الواحد.. لم يلم الرب يسوع مرثا على اهتمامها بأمور البيت، لكنه كان يطلب منها أن تضع أولويات. فمن المحتمل أن تتدهور خدمتنا للمسيح إلى مجرد انشغال بالعمل، الخالي من التكريس له. وبدون تكريس وتكوين علاقة شخصية معه لايمكن معرفته شخصيا ومعرفة ما يريد منا فعله. فهل أنت منشغل بأمور تصنعها لأجل يسوع، حتى إنك لا تنفق أي وقت معه؟ انتبه اذا لكي لا تجعل خدمتك لله تتحول إلى خدمة لنفسك. فمن المهم أن تعرف من الذي تخدمه وكيف تفعل ذلك.  

– ان الاعمال الصغيرة المتميزة بالطاعة والخدمة، لها تأثيرات بعيدة المدى : ذلك ما يؤكده رد فعل الرب يسوع تجاه الاعمال التي قامت بها مريم، فربما بدت اعمالها صغيرة ولكنها كانت متميزة والاهم من ذلك انها قدمتها عن ادراك روحي ومحبة صادقة لربها وملكها، وبذلك كان لاعمالها فعلا تاثيرات بعيدة المدى، ففي العمل الاول اكد الرب يسوع بان النصيب الصالح الذي اختارته بمنحها اهمية خاصة للاولويات في حياتها، وتركيز انشغالها بالامور الروحية الابدية اكثر من الامور الدنيوية الزائلة، سوف لن يؤخذ منها، بل تحتفظ به للحياة الابدية، أما تأثيرعملها الثاني كان اقتران اسمها بالانجيل، فاصبحت احدى الشخصيات البارزة التي مازال يجري الحديث عنها وعن عملها المميز الذي به نشرت رائحة المسيح الزكية، في كل بقعة من العالم يُبَشَر فيها بالمسيح يسوع وبانجيله المقدس.  

 

النزاهة في الخدمة وعدم ممارسة عمل على حساب آخر: لقد علّق الانجيليون الثلاثة على حادثة كسر قارورة الطيب الغالي الثمن بتعليقات مختلفة، فبينما ذكر متي بانه “استاء التلاميذ لما رأوا ذلك” (8:26)، يقول مرقس ” استاء بعضهم” (4:14)، اما يوحنا فيبرز سخط يهوذا الاسخريوطي بصورة خاصة، “فقال أحد التلاميذ، وهو يهوذا الإسخريوطي، الذي كان سيخون يسوع: لماذا لم يبع هذا العطر بثلاث مئة دينار توزع على الفقراء؟ ولم يقل هذا لأنه كان يعطف على الفقراء، بل لأنه كان لصا، فقد كان أمينا للصندوق وكان يختلس مما يودع فيه. فأجابه يسوع: دعها!  فقد احتفظت بهذا العطر ليوم دفني، لأن الفقراء عندكم في كل حين؛ أما أنا فلن أكون عندكم في كل حين” (يو8,4:12).. لقد كان سبب السخط والاستياء لأن الناردين كان عطرا طيب الرائحة يُستَورد من جبال الهند، لذلك كان غالي الثمن جدا. إن هذا العمل واستجابة الرب يسوع له يعلمنا امرين مهمين، اولهما: أن لانتجاهل الفقراء حتى نصنع للمسيح أمورا بالغة التطرف والتهور. فقد كان هذا عملا فريدا لمناسبة خاصة معينة لدفنه، وبذلك كان تصريحا علنيا  بالإيمان بأنه المسيا (المسيح). ولم يقصد به الرب يسوع مطلقا إهمال الفقراء، او تبريرتجاهل حاجاتهم، بل من جهة، ليذكّرنا دوما بوجود الفقراء على الارض مشيرا الى سفر التثنية (11:15) الذي يقول “فالأرض لن تخلوأبداً من الفقراء”  فالكتاب المقدس ينبهنا على الدوام للعناية بالمحتاجين، ومن جهة اخرى ليمتدح مريم لولائها وعبادتها الخالية من الأنانية، معلماً يهوذا بذلك درسا ثمينا عن قيمة المال. فإنه إشارة خفية للعملين، فمن جهة عمل يهوذا المختفي وراء  تظاهره بحب الفقراء بينما يقوم بتسليم سيده للموت في خيانة بشعة، والثاني عمل مريم الرائع حيث تلقفت هذا الجسد المُسلم للموت لتكرمه بأغلى ما لديها “الطيب الكثير الثمن”. إنه يوبخ يهوذا سرًا، لأنه يدعي حب الفقراء، ويكرم مريم، لأنها وجدت فرصة لاتتكرر، فإن جوهر عبادة الله هو أن ننظر إليه بكامل الحب والولاء والاحترام والتكريس وأن نكون على استعداد للتضحية من أجله بأثمن شيء. ومن ثم علينا أن لا نمارس عملاعلى حساب الآخر، فحبنا للفقراء يتناغم مع حبنا للقديسين الذين لا يزالوا أحياء يمارسون الحب لله كما لكل البشرية بالصلاة والشكر الدائم. ولا تزال مريم تدعونا أن نُطَيِّب جسد المسيح الحي في أعضائه الفقراء والمساكين والمتألمين والمطرودين والذين ليس لهم من يسأل عنهم.. والأمر الثاني الذي نتعلمه هو: ان تكون أساليبنا ودوافعنا في الخدمة نزيهة ونابعة من تقوانا في الرب، فكما لاحظنا لم يكن غضب يهوذا على ما عملته مريم، لانه يحمل حنوًا على الفقراء، او يهتم ويبالي بهم، بل بدافع الجشع ولتكون له فرصة لسرقة المال، ولاشك في أنه كان يريد أن يباع الطيب ليوضع ثمنه عنده. ولذلك فعندما دانها حاسبًا أنها تصرفت بغير حكمةٍ، وبددت المال فيما لا ينفع، مستخدما ًعبارة تفيض بالتقوى ليخفي دوافعه الحقيقية، إذا بالرب يسوع العارف بما في قلبه، يعلن بانه عملٍ روحي نبوي فائق، لانها بذلك تنبأت عن تكفينه. إن معرفة الله بنا وبدواخلنا لابد أن تجعلنا حريصين على ان تتفق أعمالنا مع أقوالنا.     

 

بياناتها الأساسية:

مكان اقامتها : بيت عنيا.

اقرباؤها: أختها مرثا وأخوها لعازر.

 

الآية الرئيسية:

“فإتها إذ سكبت العطر على جسمي فقد فعلت ذلك إعداداً لدفني. والحق أقول لكم: إنه حيث ينادى بهذا الإنجيل في العالم أجمع، يحدَّث بما عملته هذه المرأة إحياء لذكرها” ( مت13,12:26 ).

ونجد قصة مريم في ( مت13,6:26;  مر9,3:14;  لو42,38:10;  يو45,17:11 ; 11,1:12 ).

ولكن الحاجة الى واحد.فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها